الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

"وتبقين يا مصر فوق الصغائر"

ترددت كثيرا في ان اكتب عن ما حدث بعد مبارة كرة القدم التاريخية التي خاضها المنتخب المصري ضد المنتخب الجزائري اللي كان شقيق ، ترددي ليس لعدم وجود رأي أو لخوف او قلق ترددي لاني فعلا السلوك المتخذ تجاه الازمة لا يعني سوي الفوضي والتردد والتخبيط وعدم الوضوح
إلا أن ما اصابني واعتقد اصاب العديد من المصريين من ألم وحزن بعد ان سجل طتاب جديد في موسوعة المهانة التي يتعرض لها المصريين سواء في الداخل او الخارج بعد ان اعلن النظام المصري بأن لا قيمة لنا سوي عندما نهتف جعلني ابحث عن كلمات اكتبها اخرج بها ما بداخلي من الم (والله قربت انفجر ( منه له ) ) ، لم أجد أجمل من هذه الكلمات للشاعر فاروق جويدة :-
قام الشاعر الكبير فاروق جويدة بتغيير عنوان قصيدته الجديدة فى الأهرام من "أنا من سنين أحب الجزائر" إلى "وتبقين يا مصر فوق الصغائر" ، وسبقت القصيدة مقدمة نثرية للشاعر قال فيها "هذه صرخة الشهداء خرجت من سيناء وطافت بالجزائر تعلن العصيان على كل ما حدث بين شعبين شقيقين جمعتهما الدماء ولا ينبغى أن تفرق بينهما الصغائر".
يقول في قصيدته:
شهيد علي صدر سيناء يبكي
ويدعو شهيدا بقلب الجزائـــر
تعال إلي ففي القلب شكـــوي
وبين الجــــوانح حزن يكــــابر
لماذا تهون دماء الرجــــــال
ويخبو مع القهر عزم الضمائر
دماء توارت كنبض القلوب
ليعلو عليها ضجيج الصغائــــر
إذا الفجر أصبح طيفـا بعيــدا
تـباع الدماء بسوق الحناجـــــــر
علي أرض سيناء يعلو نــداء
يكبر للصبـــح فوق المنابـــــــر
وفي ظلمة الليل يغفو ضيـاء
يجيء ويغدو.. كألعــاب ساحــــر
لماذا نسيتــم دماء الرجــــــــال
علي وجه سينا.. وعين الجزائر؟!
***
علي أرض سينــاء يبدو شهيـد
يطوف حزينـا.. مع الراحليـــن
ويصرخ في النــاس: هذا حرام
دمانا تضيــــــع مع العابثيــــــن
فهذي الملاعب عزف جميــــل
وليســــت حروبا علي المعتدين
نحب من الخيل بعض الصهيل
ونعشـــــق فيها الجمال الضنين
ونطرب حين يغني الصغــــار
علي ضوء فجر شجي الحنيـــن
فبعض الملاعب عشق الكبــــار
وفيها نداعب حلــــم البنيــــــــن
لماذا نراها سيوفــــــا وحربـــــا
تعالــــوا نراها كنـاي حزيــــــن
فلا النصر يعني اقتتال الرفــــاق
ولا في الخســارة عار مشـــــين
***
علي أرض سيناء دم ونـــــــــار
وفوق الجزائر تبكــي الهــــــمم
هنا كان بالأمس صوت الرجال
يهز الشـعــوب.. ويحيـي الأمم
شهيدان طافا بأرض العروبـة
غني العـــراق بأغلي نغــــــــــم
شهيد يؤذن بيــــن الحجيـــــــج
وآخر يصرخ فوق الهــــــــرم
لقد جمعتنا دمـاء القـلــــــــــوب
فكيف افترقـــــنا بهزل القــــــدم ؟!
ومازال يصرخ بين الجمــوع
قم اقــــرأ كتـابك وحـي القلــــــم
علي صدر سيناء وجه عنيــد
شـــهيد يعانق طيـــــــف العلـــــــم
وفوق الجزائر نبض حزيـــن
يداري الدمــوع ويخفي الألـــــــم
تعالـوا لنجمع ما قد تبقــــــــي
فشــر الخطــايا سفيـــــــــه حكــــــم
ولم يبق غير عويل الذئـــاب
يطـــــارد في الليل ركـــب الغنــــــــم!
رضيتم مع الفقر بؤس الحياة
وذل الهــــــوان ويـــأس النـــــــدم
ففي كل وجه شظايا همــــــوم
وفي كل عيـــن يئن الســــــــــــــأم
إذا كان فيكم شموخ قديـــــــم
فكيف ارتــــــضيتم حــياة الـــــــــرمم؟!
تنامون حتي يموت الصبـــاح
وتبكون حتي يثور العــــــــــدم
***
شهيد علي صدر سيناء يبكي
وفوق الجزائر يسري الغضـب
هنا جمعتنا دمـاء الرجـــــــال
فهل فرقتنا غنــــــاوي اللعـــب
وبئس الزمـان إذا ما استكـــان
تسـاوي الرخيص بحر الذهـــــب
هنا كان مجــد.. وأطلال ذكـــري
وشـعب عـريق يسمـي العـــــرب
وياويلهــم.. بعــد ماض عــريـق
يبيعون زيفـا بســــوق الكـــــــــــذب
ومنذ استكانوا لقهر الطغــــــاة
هنا من تـواري.. هنا من هـرب
شعوب رأت في العويل انتصارا
فخاضت حروبا.. بسيف الخطب
***
علي آخر الدرب يبدو شهيــــــد
يعانــق بالدمــــــع كل الرفــــــاق
أتـوا يحملون زمانــــــا قديمـــــا
لحلـــم غفا مرة.. واستفـــــــاق
فوحد أرضا.. وأغني شعوبــــــا
وأخرجها من جحـور الشـقـــــــاق
فهذا أتي من عيون الخليـــــل
وهذا أتي من نخيل العـــــــراق
وهذا يعانق أطـــلال غــــــزة
يعلو نداء.. يطــول العنـــــــــاق
فكيف تشرد حلم بــــــــريء
لنحيـــا مـــرارة هذا السبـــــــاق؟
وياويل أرض أذلـت شموخـا
لترفـــع بالزيــف وجه النفــاق
***
شهيد مع الفجر صلي.. ونادي
وصاح: أفيقوا كفـــــاكم فســــادا
لقد شردتكم همــوم الحيـــــاة
وحين طغي القهر فيكم.. تمادي
وحين رضيتم سكـون القبــور
شبعتم ضياعا.. وزادوا عنادا
وكم فارق الناس صبح عنيـــد
وفي آخر الليل أغفي.. وعادا
وطال بنا النوم عمرا طويــــلا
وما زادنا النـوم.. إلا سهــــادا
***
علي صدر سيناء يبكي شهيـــد
وآخر يصرخ فـــوق الجزائـــر
هنا كان بالأمس شعــب يثـــور
وأرض تضج.. ومجــــــد يفاخــــــر
هنا كان بالأمس صوت الشهيد
يزلزل أرضا.. ويحمي المصائر
ينام الصغير علي نار حقــــــــد
فمن أرضع الطفل هذي الكبائر ؟!
ومن علم الشعب أن الحــــروب
كـرات تطير.. وشعب يقـامر ؟!
ومن علم الأرض أن الدماء
تراب يجف.. وحــزن يسافـــــــر
ومن علم الناس أن البطولـــــــة
شعب يباع.. وحكم يتــــــاجر؟!
وأن العروش.. عروش الطغاة
بلاد تئن.. وقهر يجـــــــاهر
وكنا نـباهي بدم الشهيــــــــــــــد
فصرنا نباهي بقصف الحناجر!
إذا ما التقينــــــا علي أي أرض
فليس لنا غير صدق المشاعر
سيبقي أخي رغم هذا الصـــراخ
يلملم في الليل وجهي المهاجر
عدوي عدوي.. فلا تخــدعوني
بوجه تخفـي بمليون ساتــــــر
فخلـــف الحـــــــدود عـــدو لئيــم
إذا ما غفونا تطل الخناجـــــر
فلا تتـــركوا فتنـة العابثيـــــــــن
تشـوه عمرا نقي الضمائــــــر
ولا تغرسوا في قلــوب الصغــار
خرابا وخوفا لتعمي البصــــائر
أنا من سنين أحـــب الجـــــزائـــر
ترابا وأرضا.. وشعبـــا يغامـــر
أحب الدمــاء التي حررتــــــــــه
أحب الشموخ.. ونبل السرائر
ومصر العريقة فوق العتـــــــاب
وأكبر من كل هذي الصغــــائر
أخي سوف تبقي ضميري وسيفي
فصبر جميل.. فللــيـــل آخــر
إذا كان في الكون شيء جميـــــل
فأجمل ما فيه.. نيل.. وشاعر

الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

ثقافة الفوضى وفراغ المجال العام

حينما تهم بالدخول إلى أي جامعة من جامعاتنا الموقرة فإنك تشعر انك ستدخل أحد الأراضي المقدسة ليس لظهور علامات التدين والاحترام ( حاشا الله ) ده أصلا ممنوع – ولكن عندما تجد عربات الأمن وطواقمه المدججين وغير المدججين بالسلاح والمنتشرين في جميع الأرجاء وتستعجب كثيرا وتتساءل لماذا كل هذه المظاهر هل حقا لحماية الجامعة ومن فيها وأي حماية تكون ومن من ولمن الحماية ؟!!
منذ أربع أيام تعرضت أحد الطالبات بأحد الجامعات المصرية لحادث سرقة في مسجد الجامعة حيث سرقت شنطتها بكل ما فيها ( كتب – موبايل – وأدوات وأشياء كثيرة ) المهم أنها بعد ما عانته من أزمة وصدمة خاصة أنها فقدت أشياء قد يصعب أن تحصل عليها مرة أخرى بسهولة فذهبت بطبيعة الحال إلى قائد الحرس في الكلية وقدمت شكوتها طلبته بتقديم حل للأزمة علي افتراض منها أن هذه ضمن مسئوليته وجاء رده ( وأنا هعملك إيه يعني ) ، جعلتها الكلمات تفقد الأمل وزادت صدمتها وعادت أدراجها ، وفي اليوم التالي ذهبت مرة أخرى لعل وعسى أن تجد خبر أو أي حل وكان المتوقع لا يوجد جديد ، ذهبت إلى أحد العاملين في شئون الطلبة وحكت لها فقالت لها ( في الحالات اللي زي دي مش بيعملوا حاجة- تقصد الأمن- انتي روحي دوري عليها في الأماكن الفاضية ( المهجورة ) في الكلية ، ولم يتوقف الأمر عند هذه النصيحة بل إن أحد سكرتارية الكلية أقترح عليها إنها تشوف واسطة وتروح للأمن ( لا اعلم لماذا وكيف يكون مسماه أمن ؟؟!! )
هذه حكاية بسيطة لان هناك الكثير من الحكايات المشابهة والأقسى على النفس ، والتي جميعها يؤكد علي سيادة نظرية الفوضى بحيث يمكن أن نقول أنها سمة الحياة عندنا ، فمجتمع الجامعة هو نموذج مصغر للمجتمع الأكبر - مع الفارق - ولابد أن يكون له خصائص معينة من الالتزام بالقيم والمثل وسيادة نمط من التحضر والانضباط فالمفترض أنها تمثل ارقي مستويات المجتمع ، وهذا الكلام لا يعني أني أعترض على حدوث مظاهر سلبية فكله وارد حتى أن تتم السرقة في المسجد ولكن ردود الفعل هي الأهم فالضابط وظيفته حماية الأمن وهو موجود ليس لطلاب الواسطة ولكن لجميع الطلاب فالكل يدفع رسوم وأغلب الآباء يدفعون الضرائب والدولة هي دولة الجميع ومسئوليته أخطر من أن تكون فقط لأصحاب الواسطة فهذه ثقافة الغابة .
إن ما تعكسه طريقة إدارة الأمن مع ما يحدث لأغلب أفراد الشعب من مشكلات وجرائم تتعلق بالحالة الأمنية بالأساس هو تكريس لثقافة الفوضى القائمة على ( خذ حقق بأيدك ) فآخر ما يمكن أن يفكر فيه المواطن هو اللجوء إلي مراكز الشرطة وطلب المساعدة من رجال الأمن وبالتالي فلا عجب ان تكون صفحات الجرائد مليئة بجرائم القتل والشرف والسرقة وغيرها بل لأخطر أن هذا التوجه مصحوب بمحاولة النظام السياسي الانسحاب من المجال العام وتركه دون رقيب إلا في حالات تهديد النظام السياسي ذاته وهذه أصبحت سمة النظام السياسي منذ فترة خاصة في ظل التدهور الحادث في قدرات النظام على تلبية طموحات الجماهير والمواطنين .
ومع غياب الإستراتيجية والروح التنموية ووسائل تحقيق وتنمية وخلق هذه الروح مما خلق حالة من اختلال الأدوار وسيادة نمط الانهيار لأغلب مظاهر الحياة الإنسانية حيث انتشار الجريمة وسيادة ثقافة العنف واللامبالاة وانهيار المنظومة القيمية والأخلاقية والمتابع للحالة الإعلامية لن يجد عناء في الكشف عن ذلك فدور السينما أصبحت تعج بالأفلام الأقرب للإباحية والعنف والإجرام والمسلسلات التلفزيونية لا تخلوا من قصص ترغب في الانهيار الأسري والخيانة الزوجية والسرقة والفساد بحيث تجد المجرم الجاني شخص ودود ومظلوم وفي النهاية تبكي عليه لأنه ظُلم ، بل أصبحت البرامج التلفزيونية اقرب لثقافة الانحطاط والتدني في المستوى والطرح والموضوع لا تجد في أغلبها سوي الخلاف والجدل والتكسب علي حساب ثقافة وحياة المجتمع .
إن ما تعكسه هذه الأمور هو تأكيد علي أن المجال العام في مصر أصبح فارغا ولم يعد هناك يد عليا تفرض نفسها بصور عادلة ومقبولة والضحية هو المواطن وبالتالي الأسرة والمجتمع مما يفرض ضرورة السعي لملأ هذا الفراغ فغياب النظم هو خطر ولكن الأخطر هو وجود النظام بصورة شكلية ولقد أصبح الطريق مفتوح أمام إيجاد قائد وحاكم ومنظم للمجال العام بشرط أن يكون قوة وطنية وذلك للسعي نحو تجنب انهيار ما تبقى من رمق في حياة المجتمع والعمل علي إعادة بناء ما تهدم والسعي نحو خلق مستقبل قيمي أخلاقي حضاري يهيئ لهذا المجتمع القدرة علي العودة علي طريق ومسار التنمية والتقدم الحضاري .
والله من راء القصد
" كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون الله "