الأربعاء، 16 فبراير 2011

ثورة الغضب قراءة في الأحداث

لم يتوقع أحد أن يحدث ما حدث بداية من ثورة غضب الشعب التونسي مرورا بردة الفعل العربية من الشعوب ومن النظم وصولا إلي الثورة الأكثر صدا وترقبا ( ثورة الشعب المصري ) ، وغياب التوقع ليس فقط على المستوي الداخلي الداخلي بل الداخلي الإقليمي والخارجي الدولي وعلى مختلف المستويات والدوائر .
لقد راهن الجميع ومنذ فترة ليست وجيزة على موت روح الشعوب العربية والإسلامية وكانت مصر خير دلالة ونموذج لدي أغلب المحللين والمختصين ، وذلك نتيجة للحالة العامة التي كانت تحياها هذه الشعوب والتي لم تقتصر فقط على التدهور في المستوي المعيشي "الاقتصادي " بل نتيجة للتدهور الشامل العام على مختلف أوجه الحياة حتى اخلت موازين هذه الشعوب وضاعت عنها البوصلة الموجه وساد الجهل والتخلف وتبعة الذل والهوان واستبد بهم المتكبر الذي يملك والمتسلق الذي لا يملك ।، إلا أن قرأه المشهد الحالي وبعد هذه التحولات والدلالات لابد أن تكون قائمة على أسس وقواعد نستطيع أن نقدم من خلالها تأطيرا نظريا يواكب ويناسب الحدث ومن هنا نقول :-


ثورة الغضب " ثورة من "؟
سؤال كبير جدا بقدر اتساع حجم المشاركين ليس الحجم الكمي ولكن الكيفي فالمتابع للصور التي نقلتها الصحف والمواقع والقنوات يجد أنه لا يوجد أحد في مصر " كيفيا " لم يخرج فالعامل خرج والموظف خرج والداعية والأم والأخت والسياسي والديني والمفكر والكهل والصغير والشباب المسلم والمسيحي " غير تابع للكنيسة " ....... خرج ، وبالتالي فهي ليست ثورة أحد إنها ثورة " أبناء مصر " ، وهو ما يعلل لماذا لم تدعي حتى الآن أي من القوي السياسية أنها قادت هذه الثورة أو حتى أنها عمود أساسي فيها لأن العمود الأساسي هم أبناء مصر ।
ثورة الغضب الدور المفقود :
نعم الكل شارك والكل موجود ولكن هناك غائبين فعلى مستوى التحليل "الكيفي" غاب عن هذه الثورة القيادة والزعامة فرغم أنهم قد يكونوا موجودين إلا أنهم موجودون بلا روح ، فالقوي السياسية والأحزاب وجودهم ليس روح بل ذيول أو توابع فهم ضمن الكل ليس كما يدعي البعض كونهم يريدون أن يظهر كجزء من الشعب بل لأنهم فعلا لا يعتبرون ممثلين عن الشعب خاصة على هذا المستوي القومي "ثورة الشعب " ومن هنا نجد أن القيادة والزعامة هي ميتة وبلا روح على الرغم من أنه وكما أشرنا تمتلئ الساحة بكل طوائف الشعب ، وذلك مع الاحتفاظ بالحق لبعض القوي خاصة جماعة الأخوان المسلمين لأن الدلائل والقرائن والأحداث بينت أن وجودهم قاد هذه الجموع للخروج ورغم عدم بروزهم إلا أن الكثير يعرف مبررات غياب هذه القيادات وتصوري أنها في صالح هذه الثورة .
بل أن فقدان الدور لم يقتصر فقط على الكيف فهناك الكم أيضا فبالأمس القريب وجدنا مظاهرات ونداءات وتحذيرات ومطالبات بالحقوق والتأكيد على ظلم النظام وفساده من قبل المؤسسة الرسمية للإخوة الأقباط ( والتي لا تمثل سوي صورة من التسلق والنفاق السياسي الذي لم يعرفه المصرين بكل فئاتهم وطوائفهم على مر العصور ) ورغم هذه المطالبات القريبة العهد بالثورة إلا أن الكنيسة رفضت أن تثبت صدق نواياها وغاب دورها بل وجدناه تعبر عن كونها تريد الاستكانة ।
ثورة الغضب ميلاد جديد :
ربما لم ينتهي الوضع ولم تحدد الملامح حتى اللحظة لكن نستطيع أن نقول وبكل تأكيد أن الثورة هي إعلان لمولد جديد مولد شعب وجيل وتاريخ ونظام وطريقة وأسلوب فالذين خرجوا منذ ال24 من يناير 2011 في الإعلان عن أنفسهم لم يخرجوا وفقط بل قدموا الشهداء شهيد تلو الشهيد ( نسأل الله أن يتقبلهم وأن يحسبهم كذلك ) ، ولم يكن الأمر أيضا ثورة مركزية بل تنوعت وتعدد أماكنها بتعدد أطيافها وهو مولد جديد يستحق أن يؤطر كحدث سيغير مجري العالم أجمع ( أنني اجزم وقد أصيب أو أخطئ أن الثورة المصرية هي النموذج الحديث والأقوى والأصدق لما قام به الفرنسيون في ثورتهم والتى أرخ لها وأصبحت دلالة لمولد عهد جديد في العالم ) ।
ثورة الغضب سجل يا تاريخ :
نعم سجل أيها التاريخ ليست كلماتي دلالات روحانية أو مشاعر فياضة بالرغم من أن ذلك لا يكون نقصا في مثل هذا الظرف وهذا الوضع إلا أنني أقول أنه لابد أن يسجل التاريخ ويسجل التاريخ ذلك في كتب محفورة على الجدران كما فعل الفراعنة ، ليس فقط لعظم الحدث بل لأننا ابتلينا وللأسف بأقزام يدعون أنهم عمالقة لا حرفة لهم ولا عمل سوي تشويه الحقائق وإضعاف النفوس وإخفاء المعالم فكم من حقائق التاريخ قد أخفيت وكم منها قد زور وكم منها انتقص وكم منها زيد عليه حتى ضاعت ملامحه ، نعم سجل يا تاريخ أنها ثورة الشباب ( شباب الفيس بوك والجامعة الأمريكية والتعليم الغربي والغزو الفكري " ، نعم سجل يا تاريخ أن الظلم ساد وتجبر وملك فليس أدل من أن يكون الظلم قد ملك من كون السارقين " البلطجية " هم حماة النظام وأقوي سلطة في الدولة ولكن لا تغفل يا تاريخ أن المظلومين من أبناء الجوع والفقر والأمية هم من سادوا وأسقطوا الظالم ، سجل يا تاريخ أن الثورة ليست ثورة جوع بل هى ثورة كرامة وشرف وعزة ، سجل يا تاريخ صيحات الجموع ( الله أكبر ) سجل يا تاريخ ( صلاة الشباب عند ميدان التحرير مع كل صلاة رغم الخوف والفزع والكرب) سجل يا تاريخ تشكيل اللجان الشعبية وتشكيل دروع بشرية من أبناء الوطن من الشباب الذي جزء كبير منهم هم مراهقي السن و العمر بالغي العقل والفعل ، سجل يا تاريخ أن الثورة قدمت دماء وأرواح ، سجل يا تاريخ أن الشعب لم يفعل ما رسم له وما توقع له بل أثبت أن الروح لا تموت ( الخير في وفي أمتي إلي يوم الدين ) ।
ثورة الغضب نداء عاجل :-
هذا النداء هو تصور منى أنه نداء لهذه الثورة ، لقد أدت الثورة ما عليها وفعل الشباب ما كان يجب فعله بل أكثر من ذلك قدموا دمائهم وأرواحهم دافعوا عن كرامتهم وثورتهم نقوا ثورتهم من كل شائبة – حتى الآن – إلا أن نداء الثورة الآن يتجه صوب ناحية أخري ناحية المثقفين والعلماء والمفكرين ناحية المخلصين أن يضعوا خارطة طريق تليق بهذه الثورة وبأبناء هذا الشعب وبكرامة هذه الأمة أن يخلقوا للناس مشروع حضاري يلتفوا عليه ويدافعوا عنه ، بذرة لهذا المشروع يتمثل في ضمانة أن نوجد لنا أرض تتزين بالديمقراطية والحرية ، لابد أن نجد أشخاصا وطنيين مخلصين يتم إيضاحهم وتحدديهم حتى لا تفت العزائم ولا يسرق العرق منا أحد وحتى لا ينقلب الأمر إلي الضد ، والأكثر خوفا هو أن نجد واقعا مفروضا علينا فينقلب الأمر ويفت العزم وتضيع الهمم وتذهب الدماء والأرواح سدي .